لمعة بسيسو | بإيمان لا تزعزعه العواصف

 

هكذا كان إيمان لمعة بسيسو الراسخ برسالة المرأة الاردنية المثقفة – المتعلمة تعليما صحيحا- ودورها في نشر الوعي وبناء نهضة حقيقية، مبنية على ركنيها الرجل والمرأة بالتوازي، فهي التي صدحت كلمتها عام 1947، في ارجاء المتحف الوطني في القدس، امام جمع كبير من الرجال- يوم كانت مشاركة المرأة في الاجتماعات والعمل العام عزيزة ونادرة- يومها قالت “كيف يمكن للرجل ان يمنح للمراة حريتها وهو ليس حرا”.

 

عامان على رحيل احدى رائدات الحركة النسوية في الاردن، (27 كانون ثاني 2011) التي لم يتم انصافها ومنحها حقها من التكريم في حياتها كما ينبغي ويليق لذا نستعيد في هذا العدد من راديكال – كنوع من التكريم المتواضع – مقال كانت قد كتبته لمعة بسيسو في زاوية نسائيات قبل ما يزيد عن 67 عاما، تُقيّم فيه لمعة حال المرأة الاردنية آنذاك، وتستعرض انواع النساء، وتصف نظرة المجتمع للمرأة بشكل عام والمتعلمة بشكل خاص، محاولة أن تشخص العلة، وان تقيم الفرق بين التعليم الناقص والصحيح، كما تحاول أن تساهم في رسم صورة مغايرة لما تحلم أن تكون عليه الأشياء؛ المرأة، المجتمع، الوعي… بكلمات أخرى تحاول أن تشارك في بناء نهضة حقيقية لا تقتصر على المرأة، وإنما تمتد لتشمل المجتمع بأسره.

واذا اقمنا مقارنة سريعة بين ما ينطوي عليه المقال من نقد لحال المجتمع والمرأة، وبين واقعنا الراهن، قد ندهش لأنه رغم مرور كل هذا الزمن على كلمات لمعة بسيسو، ورغم تطور المجتمع – المفترض- وتطور القوانين التي تحاول انصاف المرأة ومنحها حقوقها، ورغم توفر التعليم،واحراز الشهادات… سنجد ان كل تلك التغيرات مست قشور الأشياء دون الجوهر، فالواقع ما زال تسوده العقلية الذكورية، وتحكمه العشائرية…، لذا كلمات لمعة بسيسو تبحر في عالم جديد قديم، وتلامس الراهن الذي لم يفلت من زمام الماضي، ولتصبح آمال لمعة بالنهضة وواقعا متجسدا، لا بد من ثورة ثقافية تأتي على المفاهيم والقناعات والمعتقدات السائدة، وعلى صيغة العلاقات القائمة.

 

كذلك قمنا باعداد فيديو قصير، نتوقف فيه عند محطات بارزة في مسيرة لمعة بسيسو، وعند شخصيات مهمة لعبت دورا مهما في حياتها، استندنا فيه الى مقابلة نادرة مع لمعة بسيسو خص مركز اميلي بشارات للتوثيق راديكال بهذه المقابلة، كما تعود الصور والرسومات في الفيديو الى موقع عائلة الرزاز الالكتروني.

 

نسائيات | الأردنية بين الجهل والعلم

 

تطغى على شعورنا في الوقت الحاضر موجة من الغبطة والارتياح، اذ نلمس بوادر اليقظة والارتياح في المرأة الاردنية وشعورها بمسؤوليتها تجاه المجتمع. ولكن في مثل هذه الفترة –الفترة التي نجد فيها الاردنية مثالا للحماس الملتهب والشعور النبيل والتحفز للعمل بهمة لا تعرف التراجع والفتور- دعونا نتوقف قليلا فنلقي نظرة مدققة فاحصة، ننفذ بها الى الصميم لنتعرف الى حقيقة الوضع الراهن للمرأة الاردنية، ومعالجة امورها بمنتهى الصراحة، ليتسنى لنا الاصلاح، وبناء نهضة حقيقية تقوم على اساس متين لا زيف فيه ولا تمويه.

 

فالأردنية على العموم لا تزال متأخرة ومتأخرة جدا تنقصها البيئة السليمة، والتعليم الصحيح، والثقافة الحقيقية، فهي غالبا تلك التي ترددت على المدرسة خلال سنتين او ثلاث ثم لم تلبث ان انتزعت منها بسبب التعصب وعدم الشعور بحاجة الفتاة الى تلقن العلم. واحيانا بسبب ضيق ذات اليد والعجز عن اداء تلك النفقات الطفيفة.

 

وهناك تلك التي تعلمت واتمت دراستها في نظر الكثيرين، وهي حاملة الشهادة الابتدائية التي ينظر اليها كالهدف الاول والاخير. فمن فازت بها فقد اعتبرت في غاية الرقي، وليس لها ان تطالب بالمزيد… فهي من الان فصاعدا تنال شرف حضور الاستقبالات، وتكون جديرة بالاستفادة مما يدور فيها من احاديث وابحاث تؤهلها لنيل لقب سيدة صالونات. وهذا لقب لا تناله الا من اصبحت لها الخبرة التامة باصول المجاملات المتبادلة والبراعة الفائقة في تسقُط الاخبار والاشاعات وسردها باسلوب شيق تتعهده مخيلتها الخصبة، فتحذف وتشطب ان شاءت الحذف، والا فانها تزيد وتسترسل وتختلق وتلفق.

 

وهكذا نرى ان هذا التعليم الناقص يؤدي غالبا – ولا اقول دائما اذ ان لكل قاعدة شواذ- الى اسوأ النتائج. فهي بصفتها متعلمة تستطيع المطالعة في تلك الفترات الوجيزة التي تتخلل مواعيد زياراتها وروحاتها وغدواتها، فتبحث عن الكتب الملذة طبعا، فتجد بغيتها في روايات الجيب، وشهرزاد، ومجلة الصباح وغيرها…، فتَنصَب عليها وتطالعها بجد ونشاط وتستمد منها الغذاء لروحها وافكارها وتخيلاتها، ويستهويها نوع الحياة التي تحياها بطلات قصصها، وكثيرا ما تحاول تطبيق ذلك في حياتها الواقعية… فتخرج من مطالعتها بذلك التفكير السقيم والافكار المبتذلة والانحطاط الخلقي.

 

ويراها القوم بزينتها الصارخة وزيها المستهتر وبهرجتها… ويلحظون طريقة حديثها وضحكتها ومشيها، فيقولون متعلمة طبعا، وهل غير هذا وراء العلم والمدرسة للفتاة؟!… نعم ماذا ينتظر غير ذلك نتيجة ذلك العلم الناقص؟!

 

واما تلك التي جادت او جارت عليها الاقدار فنالت نصيبها من العلم في المدارس الثانوية والعالية، فهي كبش الفداء كما يقولون ينقم عليها المحافظون تماديها في العلم، ويزعمون انها اصبحت متفلسفة تتعلق بقشور مدينة زائفة، وانها اصبحت متعجرفة يملأ التيه والكبر نفسها الى حد الغرور.

 

ونحن لن يمكننا القول بان كل من تعلمت كان تعليمها صحيحا، فالعلم وحده ليس كافيا، وهناك البيئة والمحيط ثم المؤهلات الشخصية، هناك من اكتفت من العلم بتلك الوريقة العظيمة التي نالتها، ثم تركت كتبها وافكارها وعقليتها ليعلوها الغبار والاهمال، فعاشت في فراغ نفساني لا يشغلها الا تلك الامور السخيفة السطحية في الحياة… ولهذا لا نستطيع وضعها في زمرة المتعلمات مع الاحترام العظيم لشهادتها.

 

وبالرغم من وجود هذه الفئة الا ان هناك الاردنية التي تعلمت بكل معنى الكلمة وتثقفت تثقفا عاليا حقيقيا ورفعت رأس الوطن عاليا في كل معهد أمّته، وهي وحدها التي كانت تتألم بصمت، وتناضل لتفهم القوم حقيقتها فلا تجد الا الانتقاد اللاذع المرير! واما تأثيرها في محيطها البيتي فقد كان بعيد الاثر ونستطيع بجلاء لمس ذلك الفارق الكبير بين مستوى المعيشة في بيت يضم بين جدرانه فتاة متعلمة مثقفة، واخر خال منها.

 

وهذه الاردنية تؤمن برسالتها في الحياة ايمانا راسخا لا تزعزعه العواصف، تؤمن بأنها الركن الاساسي في رقي الامة، فعليها تقع تلك المسؤولية؛ مسؤولية اعداد النشء الجديد، ليكون جيلا صالحا تسري في دمائه روح القومية الصادقة والمبدأ القويم.

 

وها نحن نرقب خطوات الاردنية الاولى في سبيل الاصلاح الاجتماعي، وهي بادرة تبشر بنهضة مباركة نرى فيها اندثار ذلك الشعور بالفردية في تكاتف الافراد ومؤازرتهم لتلك الطبقات المحرومة والعمل بما فيه سعادة المجموع.